إعداد الصحفي محمد سالم ولد الشيخ
باحث في مجال الأدب الحساني:
لا يسعنا أن نتناول الشعر الموريتاني اللهجي ( لغن ) في أي غرض من أغراضه دون العودة إلى الروافد الثقافية و الفكرية التي متح منها فتأثر و أثر، و لعل من أهم هذه الروافد الشعر العربي بعصوره فقد برز تأثيره في لغن و خصوصا الغزل الذي نحن بصدد الحديث عنه في هذا الملمح الذي يحاول أن يرسل إشارات عن بعض النصوص و ليس أن يعالجها بشكل تحليلي و نقدي،
فقد جاء غزل الموريتانيين مكنى عنه غير مصرح به و يشير إلى الأشياء التي تذكر بالمحبوبة أكثر مما يشير إليها هي، فعرف المكان اهتماما منقطع النظير جعله يحتل مركزا متقدما في سلم ترتيب الاهتمامات في الغزل، فالمكان هو الذي سكنته المحبوبة أو مرت به أو احتضن لقاء بها أو رؤية من بعيد، تلتصق بمخيلة الشاعر وتجعله يتخذ من ذلك المكان محجا وموقفا للتذكر والبكاء، سواء صرح بذلك أو كتمه:
يقول ولد الكصري:
يامس دار إبلغانْ احيــــــات ذاك ال شكيتْ انّ ماتْ
اگبلْ من تلياعِ وامحـــــــات من لخلاگ ال خاطيه
واتلفت اعليــــــــــــهَ مرات كيف ال ناس ش فيــه
واعگبتْ امنين ابعيد ابگات وانبيت اتلفت اعليــــه
تلفيت من ماخـــــــــــــلات فظل لاه نكرهْ بيـــــــه
وال نبغ ذ ال موجـــــــــود اتل فالدني راعيــــــه
مان فيه موجود انعــــــــود نكرهه واللّ نبغيـــــه.
فولد الكصري و إن عزم على مغادرة هذا المكان ونسيانه فنفسه تنازعه بحنينها المتشكل في التفاتات لا شعورية ربما تثير جميع الكوامن و ترد المرعوي إلى الدكس .
و مرة يقف الشاعر متسائلا عن سبب الدفق العاطفي عند مروره بمكان من الأمكنة التي تذكره صباه وزمنه القديم ومرابعه التي كانت مأمنا له و قرة عين، فيلوم المرابع أن أهاجت منه ما كان ساكنا فها هو ولد لدخن و قد وقف بين عدة مرابع قديمة له يجري تحقيقا لمعرفة الدمن التي أهاجت منه ما كان ساكنا، فيعطي لكل منها عذرا ليستخلص إلى (جكناي) سبب البلوى وهو مصدر هذا "لغرام":
يقول ولد ابراهيم ولد لدخن:
لغْرَامْ الِّ مــــــــنُّ متْكنْتْ وامْنْ احْزِيمُ مَا گَطْ اسْلمْتْ
جَانِ منْ ذَ الْوَكْرْ الِّ شفْتْ وابْحرْتْ أَيُّ جَدَّدْ لغْــرَامْ
إِلاَ گلْتْ الْمَبْــرُوكْ اكْذبْتْ وِلاَ گلْتْ أَگَمُّونْ احْـــرَامْ
أُ لاَهُ حكْمْ الْكَارَ وابْحـرْتْ أُوعتْ انْگُولْ انُّ بُلَعْظَامْ
وَانَ مَا نَعْرَفْ بَيْـــنِ كنْتْ زَادْ امْعَ بُلَعْظَامْ أَعْظَــامْ
اثرُ جكنـــــايْ المزروفْ الكيتْ أغْلَ غيد التبســام
أعليهْ، أمكابلــنِ ذالجوف ألِّ كنت انعد أفلكــــــلام
و يبقى المكان دائما و المربع هو مصدر الحالة العاطفية والشعورية الخاصة التي يمر بها الشاعر:
فقد يستدر به دموعا كن مصونات عن غير تلك اللحظة الجمالية والتي تخزنها الذاكرة بعيدا و يحتاج الشاعر إلى لحظات للتفكر
يقول محمد ولد آدبه:
دمع العين اليوم ابلا فيــه اجميل اعلَ سبّت لكتيـــل
فرْظْ إسيل ءُ لگبيل اعليه فرْظْ إسيل ابلا فيه اجميل
تفگاد الحلَّه سهَّــــــــــانِ تجلاجُ عن بعْدْ أوطانِ
مانِ متفگّد شِ ثــــــــانِ، واللَّ تايب لك يالجليل
احجلِّ شِ ثانِ مـــــــــانِ ناسيه اتفگَّدتُ ثقيــــل
دهر امگيل الناس اتحانِ حر الصيف إفوت افلمگيل
لگبيل افلگصر متگـــانِ هانِ ماهُ فالصيف ارحيل
إحانِ لخظار ءُ هــــــان فالظل ءُ متلاحگ لگبيل
ابكيلك يالعيـــــــن أرانِ طيتك لذن افتبكِ وِسيل:
دمع العين ....
و قد يتحقق الشاعر من مصدر القلق العاطفي عندما يستشعر دفقا مفاجئا تريد كوامن النفس أن تخبئه عن صاحبها فيقول:
عودانْ الطَّلحايَه فاكْفــــــاكْ شَطنَك يَعكللي غيرْ أرْعاكْ
منْ تَسْميها مزال أحــــــذاك جِيمَجارْ أفطَنْ جدْرْ أعـــدُ
كانْ أسمعْ عَنـك ذاكْ أوْراك أعْل أمّْ أكَنْتـــــــــــورْ إردُ
ؤ ذيكْ إلا سَمعتْ عنَّك ذاكْ ذاكْ إعودْ أكبر ْمن كَـــــدُ
و من المفارقات أن يثير نفس المكان عواطف مختلفة و يهيج لواعج متناقضة فيحبه هذا ويستريح له لقربه من مرابعه أو كونه منها، وينقم عليه ذلك لكونه يبعده عن مرابعه، كما وقع لشاعرين مع آملَّي والعلب ألي تلو:
يقول محمد ولد أحمد مرحبه:
أمَطـْـــــليش ابْغيـْـتُ بـ الِّ منْ بَغـْـيكْ وابْغـَـيْتْ التـَّـلِّ
منْ لكـْـدَ وابْـغيْتْ آمــــــلِّ واكـْـراكشْ تـَـلُّ مَبْجُـوجَ
والِّ فـ مَطـْـليشْ امـَّـــــــلِّ منْ رَگـْـبَ وامْهَدْ أُ عَوْجَ
أُعَظـْـمْ البُوجَ والعَظـْـمْ الِّ تـَـلْ امَّلِّ عَظـْـمْ البُــــوجَ
فيرد محمد باب ولد أحمد يوره عن نفس أملي الذي أحبه وأحب مرابعه لكنه يحتفظ بالحب لأماكن كثيرة جنوب آملي في مقارنة خفية بديعة وجميلة لا يريد صاحبها أن يفاضل لكنه يختار:
محمد باب ولد أحمد يوره:
آملِّ نبْغِـيهْ أبَدِيــــــــــــــهْ والگَلـْـبْ الِّ تـَـلُّ نبْغيــهْ
أ يَمْ الگبْلَ مانِ ناسيـــــــهْ باشْ ابْعدْتْ ابَّاشْ احْجَـلِّ
وَامَّـلِّ ما نسَّانِ فيــــــــــهْ الگلـْـبْ الِّ تـــلْ آمــــــلِّ
غيْرْ امْنْ الِّ يَشرَحْ للگلبْ امَّلِّ لعدْتْ امْــــــــــــوَلِّ
شوْفْ آملِّ تـــلِّ والگلـْـبْ الِّ تــــــــــلْ آملِّ تــــــلِّ
و إن احتاج المكان إلى وقفات خاصة به فيبقى قرينا للمحبوبة ومربعا من مرابعها لا ينفك يذكر بها ويستجلب خبأ من ودها، بل استعاض لمغني في سانحة فريدة أن يكتفي من المحبوبة بمكانها ومن لقاها برؤية مرابعها و من الحديث معها في مرات كثيرة بالحديث مع أماكن انتجاعها ومكامن صباها و مخابئ ودها.
ولعلنا سنرجع للموضوع مرة أخرى لنقدم لمحات عن نصوص جديدة تثير شغف المهتم وتنير درب المعالج، و تذكر الناقد بالجهد الكبير الذي ما زال ينتظره أمام هذا الكم الهائل من النصوص التي ما زالت بورا.