في اطلالته المميزة والنادرة من خلال برنامج "أدب وتراث" الذي يقدمه أخونا الأستاذ احمد ولد شعبان عبر شاشة قناة الساحل كان أستاذنا وشاعرنا الكبير اعلِ ولد الميداحْ "الرجالة" مبدعا ومميزا كالعادة وقدَّم رفقة زميله الأديب المختار ولد ملاي اعلي إضافة مهمة للمشهد الثقافي المشاهد ومما استوقفني هذا الكاف الذي أورده الرجالة معتبرا إياه أحسن كاف سمعه:
يَا انتومَ هَذُ كَامليــــــنْ = المنكمْ كَانْ يَخْدَشْ واللَّ إهِيسْ
اعلَ أهل محمد لحبيبْ = يشكي لـ الله من ذِ كَابْرَاتِيـــفْ
لا تبحثوا عن وزن ولا عروض ولا قافية كما قال أديبنا الرجالة في توطئته للكاف، أقول لكم أنا ابحثوا عن معنى خفي..
لقد حفظت لنا ثقافتنا المروية أنماطا من التعبير الشعري لم تسمى بعد، وإن كانت قديمة قدم الشعر والتعبير في هذه الأرض الشاعرة، و لعل مصطلح "التعبير الحر" الأقرب إلى ما نحن بصدد عرضه،
هناك أناس وجدوا أنفسهم في بيئة تنبتُ التعبيرَ، وساحة تتعاطى الحرف بنهَم، وأمة تتقن قرض جيد الشعر، فأبطأ بهم الوزن والمعنى، وأسرع بهم الخيال والتفكير، فأنتجوا تعبيرا حُرًا، وهو وإن كانَ محلَّ تندرٍ يلامسُ حدودَ السخرية، إلاَّ أنه لا يخلو من فائدة، ثم إنه لبى ــ على الأقل ــ رغبةً تعبيرية جامحة في نفوس منتجيه، ولو لم يكن شيئا ذا بال لما حفظه خلفٌ عن سلفٍ، وسارت به الركبان في كل ما ناحية.
وهذا التعبير الحر كما يحلو لي تسميته فيه الرديء الذي ذاب وتحلل في انهار الزمن وسواقي الأيام، ومنه الجيدُ الذي مازال حيًا جريا ــ ربما ــ على مُسلّمة أنَّ ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وتنقسم تعابير "القوم" الحرة إلى فصيحة وحسانية وإن كان كل ذلك أمرا نسبيا لأن رأسَ مالهم حرية تعابيرهم.
ويحضرني الآن نصان من هذا الفن البديع ويمكن تصنيفهما في إطار فصيح هذا اللون الأدبي البديع مع أن الأمر نسبي كما أسلفت.
النص الأول صاحبه قدم إلى لمرابط محمد سالم ولد ألما رحمه الله وتلاميذه يحفونه من كل جانب فقال يالمرابط لقد قلت بيتًا وأريدُ أن أسمعك إياه فقال لمرابط تفضل فأنشده :
ولَولاَ ضَرورةُ الشعرِ لَقلتُ بَيْتًا يَزِنُ تَيْبَّ على فَرَسٍ هَيْكَلٍ مشْيتُه كمشيةِ الذئب خائفٍ من الضبعِ فَجَنْبَا أريكٍ فالتلاعُ الدوافع.
ابْتسمَ لمرابط محمد سالم بأدب وقال: "هذا البيت اثرُ ما اطوال اشوي" فقال "معبرنا الحر" نعم لكنه كانَ أطولَ من ذلك "وقَصَّرْتُهُ" قبل أن آتيكم به، لم يبق منه إلا القليل يا لمرابط!
النص الثاني صاحبه كانت له كلبة تسمى "جروة" فأصبحت تزعجه لكثرة اصدقائها الليليين فأنشد فيها:
أَلاَ حُوشَا عَنِّيَّ فِي بُطِّ الْبَطَائِطِ جــرْوَتَا
لأَنها تأتيها الكِلابُ في كُلِّ لَيْلَـــــــــتَا.
للحديث بقية...
النبهاني ولد أمغر