يعتبر المكون الشعري بحقٍّ رافدا أساسيا من روافد ثقافة "البِظان"، تلك المجموعة البشرية التي - رغم اختلاف أصولها العرقية وانتماءاتها السلالية - انصهرت تدريجيا وبصفة منتظمة في بوتقة متجانسة لغويا ومتآلفة ثقافيا رغم تواجدها موزعة بين أكثر من بلد في الساحل والشمال الإفريقي. والحقيقة أن انصهار هذه المجموعة ثقافيا وحضاريا
يعود في جزء كبير منه لالتفافها حول العنصر الشعري المسمى "لغن" محليا وتوافقها حول مجموعة المعايير الناظمة له والمتدخلة في كينونته.
ونظرا لأهمية لغن في مجتمع البظان، فقد ظل معْلما بارزا من معالم هوية هذا المجتمع بحيث تتشكل شخصية الإنسان البظاني بقدر ما تتشكل به الرؤية الشعرية لديه (إنتاجا أو تذوقا في الحد الأدنى) في مختلف مناحي الحياة، بحيث يُـطعن في فروسية الفارس الذي يعجز عن تسطير بطولاته في نص من لغن الشعبي وقد تُجرح فتوى عالم لا يستطيع نظم فتواه في متون من الشعر الفصيح.
ونظرا لذات الأهمية يصبح مشروعا - بل ضروريا - مقاربة لغن الحساني مقاربة علمية وعصرية تمكن من استكشاف بعض خباياه وتمحيص بعض آلياته لمعرفة قيمته الفنية وأبعاده الجمالية،
إلا أن ضيق المجال المتوفر في مثل هذا المنبر الإلكتروني الفتي لا يسمح بأكثر من تقاسم بعض الأفكار مع القراء ورواد هذا الموقع، عسى أن يشكل ذلك انطلاقة لمزيد من البحث حول مادة لغن ويفتح المجال لمساهمات إضافية في إثراء المكتبات الوطنية.
فعند الحديث عن لغن الشعبي وعلاقته بالشعر الفصيح، يتردد غالبا أن لغن الحساني أخ أصغر للشعرالعربي مثلما أن اللهجة الحسانية ربيبة للغة العربية.
ذلك أن لغن الحساني مثله مثل الشعر الفصيح يتسم بعدد من المحددات الوزنية منها مجموعة من المقاطع التي تخضع لشروط إيقاعية وتراعي وضع الحركات والسواكن داخل الشطر أو البيت الواحد.
ومن الأخطاء الشائعة بين دارسي لغن الحساني أن السواكن تهمل باعتبار أنها لا دور لها مقارنة مع دور المتحركين، بينما الحقيقة أن دور هذه السواكن مهم جدا - بل حيوي أحيانا - في تحديد بنية لغن الحساني. لأن عدد وتموضع السواكن داخل البيت الحساني (تافلويت) يعتبر من أهم ما يحدد انتماءها الوزني أحيانا،
كما أن عدد وتموضع السواكن في التافلويت الواحدة يلعب دورا جليا في تحديد المقامات الموسيقية التي تقابل بحر شعر معين أو مجموعة من البحور الشعرية المسماة "ابْـتوتة"، ومفردها “بت"
(يتبع)
الأستاذ نجاح يوسف