تختفي دائما ومع مرور الوقت الغاية من وراء كل عنصر من ألوان تراث الأمم اللامادي مثل الحكايات الشعبية والأحاجي والألعاب والعادات...
ومن ألوان هذا التراث التي كان يعول عليها مجتمع البيظان في تنمية القدرات العقلية لدى أبنائه ما يعرف بـــ "اتحاج" أي استخدام الأحاجي والألغاز، ويتميز هذا الفن بأن يكون السؤال فيه محيرا والجواب محددا.
ولكن الدارس لــــ "اتحاج" عند أصحاب الحسانية يدرك أن الأحجية تتطور بتطور عمر الطفل، فهي تختلف باختلاف أعمار المتلقين، فيتبين أن من"اتحاج" ما يخص مرحلة الطفولة المبكرة جدا، ويتميز "اتحاج" هذه المرحلة بالسطحية، وبكونه ليس مقنعا غالبا؛ لأن السؤال لا يكون محيرا في الغالب كما أن الجواب لا يكون محددا، وكلما زاد عمر الشخص كلما كانت هناك أنواع من "اتحاج" تطلب إعمال العقل وشحذ الذهن أكثر.
ومن أمثلة "اتحاج" هذه المرحلة تلك الأحجية التي تقول: "حاجيتك ما جيتك عنو هو إراع فيك ما يـﯕـد إجيك" والجواب هو الوتد، فالواضح أن السؤال هنا غير محير، كما أن الجواب غير محدد.
ومن أمثلة هذا اللون أيضا: "حاجيتك ما جيتك عنو هو اطويل ابلا ظل"، والجواب هو الطريق، ولا يخفى أن هذا السؤال محير أكثر من سابقه، وأن الجواب كذلك محدد أكثر.
ومن أمثلته أيضا: "حاجيتك ما جيتك عنو هو غار فوﯔُ غارين، والغارين فوﯕـهم نارين، والنارين فوﯕـهم البطحه، والبطحه فوﯕـه الغابه" والجواب هو أن الغار هو الفم، والغاران هما المنخران، والناران هما العينان، والبطحاء هي الجبهة، والغابه هي شعر الرأس، وواضح أن هذه الأحجية أكثر نخبوية من سابقتيها، فلا بد لفهم هذا النوع من التركيز والاستحضار وإعمال الذهن لإدراك العلاقات الخفية القائمة بين الأشياء، والنظر في قرائن الأحوال.
ومن هذا اللون مالا يمكن أن يحله ويفهم المراد منه إلا من بلغ مستوى لا بأس به من النضج، بأن أصبح متمكنا من التركيز والتفكير جيدا قادرا على استحضار مدلولات جميع الألفاظ المكونة للأحجية، ومن أمثلة ذلك: "حاجيتك ما جيتك عنو هو راجل إصل واسبع واطِ أعل اكراعُ" والجواب هو أن الأسد واطئ على رجل نفسه، وهو سائغ، خاصة وأن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، لكن السياق يفيد أن الأسد واطئ على رجْل الرجُل، وهو الذي يتبادر إلى الذهن، ما لم يتدبر الشخص ويشحذ ذهنه، ومن الجلي أن هذه الأحجية –وكما ذكرنا- تحتاج إلى مستوى عالي من النضج ومن إعمال العقل.
محمد الأمين ولد لكويري