قصة مثل: "وحلت مول الزيت"
الكاتب والباحث: محمد فال سيدنا.
"وحلت مول الزيت" مَثَلٌ "حساني" يُضرب لمن دخل موقفا لايستطيع الخروج منه إلا بالدخول في موقف آخر لايقل عنه صعوبة، وفي مثل تلك الحالات يضرب المثل.
ومن الأمثال "الحسانية" القريبة منه في المَضرِب:
ــ أَوحَل من بوشكرادة.
ــ اتفرك اعليه الدكيك.
ــ كارد اكرون بكر افحاسي.
ــ انسل اكراع ايغيس اكراع.
أما عن أصل المثل "وحلت مول الزيت" فيقولون ــ في أصله ــ إن رجلين ماجِنَين كانا في فلاة فلقيا رجلا يبيع الزيت وعنده نِحْيَيْن (عِكَّتَيْن) مملوئين زيتا يحملهما على حمار، فاستوقفاه وساوماه على النِّحْيَيْن فباعهما واحدا لكنهما اشترطا أن يذوقا من "النحيين" ليختارا أحسنهما مذاقا، فقبل الرجل شرطهما وفتح النحي الأول وناولهما إياه فذاقاه ورداه إليه دون وكاء فأمسكه وناولهما الثاني فذاقاه ودفعاه إليه دون وكاء فأمسكه، وحينئذ هربا عنه وتركاه في حيرة لايدري أي النحيين يرسل ليربط وكاء الثاني...
فتلك قصة المثل كما يُروى، ويروى غيرها في أصله، لكنها كلها روايات تحوم حول نفس المعنى ونفس الموقف.
ولكن أليست هذه القصة وذاك المثل إلا إسقاطا للقصة والمثل العربي: أشغل من ذات النحيين؟!.
وقصة هذا المثل واردة في كتب الأخبار والسير والأدب، وهي أن الصحابي الأنصاري: خَوَّات بنَ جُبَيْر كان ذات يوم ــ في زمن الجاهلية ــ يمر بالسوق فسار في زُقاق ضيق فلقي امرأة من "تيم الله" تحمل نِحْيَيْن مليئين سمنا، تبيعهما، فساومها عليهما واشترط أن يذوق كل واحد منهما فقبلت وفتح الأول فرده إليها دون وكاء فأمسكته بيمناها، وقام إلى الثاني ففتحه وذاق منه ثم دفعه إليها دون وكاء فأمسكته، فلما رأى يديها مشغلوتين راودها عن نفسها فَفَجَرَ بها ولم تستطع االخلاص منه من شدة خوفها على السمن من أن يضيع، وحينها قالت العرب: أشْغَلُ من ذات النحيين، وقالت: أشح من ذات النحيين، لأنها لشحها تركت الرجل يفجر بها من شدة حرصها على السمن.
ويقولون إن هذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لخوات رضي الله عنه ممازحا: ما فعل بعيرك الشارد؟! قال له خوات: قد قيده الإسلام يا رسول الله.
ومن الطريف المتعلق بقصة ذات النحيين ما يذكره بعض الأخباريين؛ وهو أن أم الدرداء العجلانية ذهبت إلى بادية من بوادي البصرة صحبة بعض جواريها فلقيت أعرابيا يبيع سمنا فطلبت أن يبيعها منه فوافق، ففتحت زقين له لتذوق منهما ثم دفعتهما إليه مفتوحين فأمسكهما فلما رأته مشغولا بهما أمرت جواريها بركله من الخلف وأخذت تنادي: يالَثَاراتِ ذات النحيين!.