مقابلة مع الأديب والوزير السابق والرئيس الحالي لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين الأستاذ: عبد الله السالم ولد المعلى
نشرت وكالة "الأخبار" المستقلة في تاريخ : 8 دجنبر 2011 مقابلة مع الأديب المزدوج بين الشعر الفصيح والأدب الشعبي من جهة وبين الأدب والسياسة من جهة أخرى الأستاذ عبد الله السالم ولد المعلى.
وهذا نص المقابلة:
إلى أي حد أثر العلامة الكبير الوالد محمدو النانة رحمه الله في تجربتكم الأدبية، وأين كنتم من التيارات الحداثية في البلد؟
المعلى: إلي حد التمثيل والإتساء؛ لأكثر من سبب أولا :
لأنه أستاذي الأول في الأدب وغيره من المعارف الإنسانية . ثانيا: لغزارة مادته وحصافة حبكته ونصاعة ديباجته. فضلا عن التأثر بسلوكه الديني الفذ وسيرته الأخلاقية الفريدة . ولهذا وغيره نشأت ـ وما زلت ـ تقليديا أعيش الماضي علي حساب الحاضر مجاملة للمستقبل فأنا أميل إلي الأصالة بمفهومها التراثي أكثر من ميلي إلي الحداثة بمفهومها العصياني.
تصنفون رائد مدرسة الأدب الشعبي فيما بعد الاستقلال، ألم يظل طابع الشعر الشعبي كما كان، بظاهرة "لكطاع" الحادة ـ مثلا ـ التي تحتاج إلى تفسير، وبمختلف سيماه التي ظل بها كما يقول البعض، أم أنكم فعلا قمتم بجهود تطوير؟
المعلى: لا شك في أن الأدب الشعبي ( لغن ) تطور شيئا ما في مضامينه أولا وفي أشكاله ثانيا ، فقد تناول مواضيع كثيرة لم تكن في متناوله قديما كما تطورت أساليبه وصوره في المواضيع القديمة واستُحدثت له أشكال جديدة ولكن منها ما هو أقرب للمقامة النثرية. وليست ظاهرة "لكطاع" حادة كانت أو غير حادة بالعائق في طريق تطوره لأنها جبلة فطر عليها الإنسان فلكطاع في الحقيقة هو المعارضة التي ألفناها في الشعر الفصيح بين عُبيد و امرئ القيس، والفرزدق وجرير، ومحمد بن الطلبة و الشماخ، وأحمد شوقي والبصيري وابن زيدون إلخ .... وهي الجدل المذكور في القرآن بوصفيه المحمود والمذموم : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا، قد جادلتنا فأكثرت جدالنا، وجادلهم بالتي هي أحسن . وهي حوار بين رأي ورأي آخر، واتجاه معاكس و لا تخص الشعر عن لغن و لا حتى عن الأحاديث وقد استخدمت في الغزل كثيرا : قالت أتهوانا فقلت لها أهوى، والأمثلة كثيرة وقد تكون مفتعلة في موضوعها أو في طرفيها أو أحدهما أو هما معا، وخير شاهد علي افتعال الموضوع بل و الطرفين هو جريدة أشطاري وقد ذكر أن ابن مالك حينما قال : فائقة لها بألف بيت ، يعني ألفيته وألفية ابن معطي، رأى ابن معطي في المنام فأجابه: "والحي قد يغلب ألف ميت"
وقد حدثني الأديب دمين بن الداهي أن أخاه أحمد سالم بن الداهي الأديب الكبير المعروف رأى في نومه محمد ولد أبنو فإذا هو في حال عجلة فقال له أحمد سالم:
يلال مكل اتمـــــونيككْ *** فيان مشيك لصفرار
ما كديت اتحان نعطيكْ *** لخبار أتعطين لخبار
فأجابه محمد:
موطاي فيكم متــــواط *** يا أحمدّو سالم لصفرار
ماه ظار، اثرك واتعاط *** لخبـــــــار أمل ماه ظار
ولعلكم؛ فلغن بذاته تطورٌ للشاعر متقدم. وذلك ما يتجلى في لصوقه بالذائقة الجمعية وتعبيره عن خصائص هذا الشعب وخلفياته ومفاهيمه والتطور لا يكون في فراغ وهو في المضمون – كما أسلفت – أكثر منه في الشكل وظاهرة الشاعر بدرباله بن البخاري تطور شكلي ومضموني.
ما زال لغن مهتما بشعر المدح، رغم الخروج في العصر الحديث على فكرة المدح الشخصي، وساهمت الصوفية بشكل خاص في إبقاء هذه الخاصية في الأدب الشعبي الموريتاني،
كيف ترون ذلك خصوصا أن لديكم قصائد (اطلع) في مدح شيخكم؟
المعلى: المدح في الحاجات الشعرية الثانية كالهجاء والنسيب وغيره. ولم يعرف المدح الخروج عليه في عصرنا هذا؛ ولكن تنوعت الأساليب وحاولت سياسة الاستبداد والاستئثار أن تحتكره لنفسها بعد أن لم يبق غيره سواء كان رسميا كالإعلام، وخلف المناسبات الرسمية لاقتناص التأييد والمساندة شعرا أو نثرا ومازال الناس يمدحون شيوخهم وأبطالهم وكرماءهم وأفاضلهم استمع إلى نزار: دخلت على تاريخنا ذات ليلة ** فرائحة التاريخ مسك وعنبر القصيدة معروفة، وأي عيب في المدح إذا كان المادح عفيفا والممدوح شريفا. وأي فرق بين تمجيد فكرة أو مبدأ وبين تمجيد إنسان ذي فكرة وذي مبدأ. وأي فرق بين تمجيد أرض وتاريخ وبين تمجيد من تعتز به الأرض ويفخر به التاريخ من أهلها. وأي فرق بين نشدان أمة ضائعة ورثاء حضارة صريعة وبين رثاء بطل أمة أو رمز حضارة. أما مدح شيوخ العلم والتصوف والحكماء والمربين والصلحاء فهو حسب اعتقادي من أنبل ما اتجه إليه الشعر وهو تكريس للقيم الفاضلة وتحبيب لها، وتكريه لأضدادها والخروج على المدح بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال قد يكون مدعاة للتساهل بها وعدم الحرص عليها.
تمتحون من الشعر العربي الفصيح ولغن اللهجي، أيهما تجدونه الألصق بروحكم والأقرب عندما تريدون الكتابة؟
المعلى: الحاجة النفسية استدعاء ملزم والكتابة استجابة وأي الشعرين اتجه إليه الخطاب كان منه الجواب، ومن شواهد هذه الرؤية أن الرثاء بالفصيح أيسر عندي وأكثر علي ورودا من الشعبي.
ظللتم مبتعدين عن السياسة طيلة عقود وأخيرا شغلتم منصب وزير الثقافة؛ كيف حدث هذا الانتقال؟
المعلى : السياسة من أمراض العصر التي لا ينجو منها الهارب ولا يدركها الطالب. هي حموضته، الأفكار المترفة وغثيان ينتاب مرضى العقل والدين.
يصف الكثيرون قطاع الثقافة بالمتدهور في موريتانيا منذ نشأتها وعلى تعاقب الأنظمة السياسة، بما أنكم أشرفتم على القطاع خلال فترة من هذه الفترات، هل سبب ركود هذا القطاع هو افتقاده الاهتمام من قبل الأنظمة، أم أن الأمر راجع إلى المثقفين؟
المعلى: لو اهتمت الأنظمة بالثقافة لوجدوا فيها مجالا واسعا للاستثمار الذي يؤرقهم في غيرها، ولو أسندوها للمثقفين النزهاء لكان لهم معها شان.
يصرح النقاد الموريتانيون أنه لا توجد مناهج نقد عربية يعتمدون عليها في دراسة النصوص الأدبية؛ لذا تعتمد جهودهم على تطبيق المناهج الغربية، كيف هو وضع نقد الأدب الحساني إذن.. وهل واجهتكم تحديات خلال أول عملية نقد أمام الجماهير لهذا الأدب في مسابقة "البداع"؟ المعلى : إن تطبيق المناهج النقدية الغربية على النصوص الأدبية العربية الذي رأيناه شغلا شاغلا لبعض نقادنا إن لم نقل كلهم لمن أعجب الأشياء عندي مع توافر الأسباب لوضع مناهج نقدية عربية تجمع بين الأصالة والحداثة. خاصة أن أسسها قد وضعت قديما من بيان وعلم معان ، وبديع، ولا ينقصها إلا التحوير والتنظيم وإضافة معطيات جديدة فنحن نهرب من التقليد إلى التقليد قال حميد: فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها ولا عربي شاقه صوت أعجما أما البداع فإنها عملية جريئة ومغامرة كانت مليئة بالتحديات لأنه أدب بكر لم يطمثه إنس قبلنا ولا جان، فكان ما كان...
حظي نمط الوزن الجديد الذي اعتمده الشاعر الشعبي بودرباله ولد البخاري باهتمام جماهيري، هل يلاقي نفس الشيء من أساتذة هذا الأدب الكبار، أم أنهم يشعرون تجاه تجربته بمثل ما يشعر به المحافظون العرب تجاه الشعر الحر؟
المعلى: النمط الجديد عند الأستاذ بدرباله لا شك أن فيه كما أسلفت نكهة جديدة ، فلكل جديد طرافته والتاريخ يؤشر ويرفض، وعلى كل حال لا شك أن ثمت خروجا على الأشكال الوزنية المعروفة وجدة في المواضيع وتنويعا في الأسلوب، فهو نتاج يدل على جراءة خارقة وقوة في الاستحضار وغزارة في المادة.
ربما قام الشاعر الموريتاني الشعبي محمد ولد باكاه الذي عاش في منتصف القرن الماضي بنمط من لغن لم يكن متبعا قبله، هل يمكن أن يفهم من ذلك أن التطورات التي كان يشهدها الشعر العربي الفصيح إذ ذاك في المشرق، كان لغن يتفاعل معها أيضا ويتطور هو الآخر؟
المعلى: الشاعر المرحوم محمد بن باكاه كان ظاهرة فريدة في سهولة المأخذ واتساق الأفكار وكان يذكرني ابن الرومي في قرب المأخذ وجودة الأسلوب رحمه الله رثيته بطلعة.
جميع الحقوق محفوظة لموقع الموزون 2013.